الدولة السعودية
* في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) جاء مانع بن ربيعة المريدي ، جد آل سعود بأسرته من مكان قرب القطيف إِلى وادي حنيفة ، حيث منازل قبيلته ، وهي إحدى قبائل ربيعة العريقة ، وهي قديمة في المنطقة ، منذ ما قبل الإِسلام بما يزيد على مائتي سنة ، وتحكم حواضر المنطقة الواقعة على ضفاف وادي حنيفة .
* ويستمد آل سعود تسميتهم من اسم جدهم سعود بن محمد بن مقرن ، الذي بنى دارا للإِمارة في الدرعية ، تم مد نفوذه إِلى ما جاورها ، فحق له أن تسمى الإِمارة باسمه . وبتولي الأمير محمد بن سعود إِمارة الدرعية بدأ عصر جديد في تاريخ الجزيرة العربية كلها ، فهذه أول مرة منذ قرون يقوم فيها بيت عربي أصيل من أهل الحكم القادرين ، وأهل الإيمان الصادقين ، يتطلع أفراده إِلى توحـيد الجزيرة تحت لواء الإِسلام الصافي البعيد عن الجهل ، والبدع ، والممارسات التي تنشأ عن الجهل ، والفقر ، والظلم .
إِن بداية الدولة السعودية تعد معنى جليلا يكاد يكون عالميا ، فقد كان العالم الإِسلامي في القرن الثاني عشر الهجري يعاني من الضعف فكريا وعسكريا ، وفي الوقت نفسه كان العالم غير الإِسلامي - الدول الغربية بالذات ، مثل بريطانيا ، وفرنسا ، وألمانيا ، وإِيطاليا - قد انطلق في عصر النهضة الذي بدأ قبل ذلك بنحو قرن أو يزيد ، كانت النهضة الأوربية قد بدأت فكريا ، واستطاعت أن تكون بذرة الحضارة الغربية التي يعيشها العالم الآن ، والتي تطغى بمفاهيمها وبقيمها ، بينما كانت دول العالم الإِسلامي- ومنها شبه الجزيرة العربية - مشغولة بالنزاعات بينها ، وبصد العدوان عليها من الداخل ، ومن الخارج .
إِن تأسيس الدولة السعودية بداية خير لشبه الجزيرة العربية كلها ، وبشير تقدم وحضارة في موطن العرب ومبعث النبوة الخاتمة ، ودليل وحدة سياسية لشبه الجزيرة العربية " لقد كتب على السعوديين أن يصارعوا في عدة جبهات ، وأن يحققوا أحيانا نجاحا معجزا ، وتنزل بهم أحيانا هزائم قاصمة ، ولكنهم بقوا ، وانتهى الآخرون ، وامتد ملكهم إِلى المملكة الحجازية ، والإِمارة الرشيدية ، والإِمارة الإِدريسية ، وإِمارة آل عـائض ، تلك الإِمـارات التي تخلفت بالجـزيرة عن عـهـد الأتراك العثمانيين " .
* نستطيع بدلالة التاريخ أن نعتبر عصر نهضة شبه الجزيرة العربية الحديثة ، هو بداية تأسيس الدولة السعودية التي اقترن فيها التجديد الديني بالتقدم نحو الوحدة السياسية ، وامتزج فيها نمو الفكر باتساع الدولة .
ولقد كانت الحضارة الأوربية الغربية في بداية نشأتها مدينة للفكر الحر في شؤون الدين والدنيا ، والذي ظل يؤثر في شعوب الغرب منذ القرن السابع عشر الميلادي ، ولكننا نجد في شبه الجزيرة العربية ، في بداية نهضتها ، تجديدا لأمر الدين ، وتنقية أصوله في العقيدة والشريعة مما شابها ، ونجد بداية لتوحيد شبه الجزيرة سياسيا ، وتأسيس دولة قوية قادرة ، وذلك على يد الأئمة من آل سعود ، فخرجت شبه الجزيرة من تخلف الفكر الديني إِلى سعة الإِسلام الصحيح ، ومن نزاعات القبيلة وحروبها إِلى أمن الوحدة واستقرارها . وبدأ تقدم شبه الجزيرة العربية بمنجزاتها في العصر الحديث في العلم والعمل ، وفي الدين والدنيا ، وسطع نجمها في المنطقة العربية ، والإِسلامية ، وعلى اتساع العالم المعاصر .
إِن الموازنة هنا ليست للمشابهة أو للماثلة ، ولكنها للتذكير بأن القرن الثامن عشر الميلادي كما حمل إِلى الغرب رياح نهضة فكرية ومادية ، حمل إِلى الأمة الإِسلامية في شبه الجزيرة العربية تجديدا لأعظم ما تملكه هذه الأمة ، وهو هدي الإِسلام ، الذي قامت عليه الدولة السعودية منذ نشأتها الأولى ، وظلت وفية له حتى استقام لها أمر الدنيا بهدي الدين . *ِ كلمة حق وتاريخ صدق في نشأة الدولة السعودية ، تجمع صفات الدولة منذ قيامها ، فقد قامت على هدي الكتاب والسنة ، وعلى يد أهل الحكم القادرين ، وتحت راية التوحيد أقامت وحدة شبه الجزيرة ، وشقت طريق التقدم منذ نشأتها ، فكان الإِصلاح الديني بالإسلام الصافي البعيد عن البدع والخرافات ، وكان إِصلاح حال المسلمين بمحاربة الجهل والفقر والظلم ، وما تزال صفات الدولة هذه منذ نشأتها إِلى عهد الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله- الذي أتم إِقامة الوحدة ، وبدأ النهضة في عصره ، وحتى عهود أبنائه العظام ممن خلفوه إِلى اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود ، حفظه الله